القائمة الرئيسية

الصفحات

 



من أعظم القرارات المصيرية في حياة الإنسان؛ اختياره لمكمل إنسانيته؛ اختياره لشقه الثاني؛ الجزء الذي عاش دونه ردحا من الزمن...

والذي يتوجب عليه المبادرة إلى هذا هو الرجل؛ إذ هو الذي يتحتم عليه الإقدام على الزواج عندما تتاح له الاستطاعة المطلوبة شرعا وعرفا وقانونا، فحينها يبدأ التنقيب عن الزوجة الصالحة.

الزوجة الصالحة، مصطلح ربما هو وليد التراث الشرعي، وقد ورد نعت الزوجة بالصلاح في القرآن؛ "فالصالحات قانتات حافظات..." وفي الحديث: الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة.

وتختلف نظرة الصلاح من شخص إلى آخر، إلا أن هناك أمورا يجمع عليها كل العقلاء، ويطلبونها في المرأة ويستدلون بها على صلاحها.

في هذا المقال سنتعرف على أهم الصفات والمزايا التي يستدل بها على صلاح المرأة، وكذلك عن أبرز الطرق للتوصل إلى هاته الفتاة الصالحة.

"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما."

 صفات الزوجة الصالحة:

إن الصفات التي سنعرضها أسفله متداخل بعضها ببعض؛ فالدين مرتبط بالخلق، وكلاهما منشؤه المحض الذي يتربى فيه المرء، والعقل نتاج هذا وذاك، والصبر من العقل، وكل هذا مما حض عليه الدين بداية،

-         الدين والخلق، لا يخفى على كريم علمك أخي القارئ أن الدين هو الرمز الأول، هو المبتدى والمنتهى الذي عليه وبه يكون ويقاس الصلاح. وكلكم يحفظ الحديث الشريف: فاظفر بذات الدين تربت يداك.

أراد مهدي أن يتزوج فأخبر أباه كي يساعده على اختيار من تصلح له، فقال له أبوه وكان حكيما: اعلم يا بني، أن ما أنت مقدم عليه أمر جلل، ولكني أختصر عليك الأمر وأدلك على ما ييسر عليك الاختيار، وينجيك من الحيرة والاضطراب؛ قد سمعت وعلمت أن المرأة تنكح لأربع: لجمالها والنصارى يزوجون للجمال، ولمالها واليهود يزوجون للمال، ولنسبها، وذاك زواج العرب، ولدينها وهو ما رغب فيه الإسلام. فانظر محلك من الإعراب.

ولهذا فإن الدين والخلق يرجع بك إلى الأسرة والنظر في منبت هذه الفتاة التي أنت مقدم على خطبتها؛ فقد تكتسب الفتاة صلاحا، ولكن البيئة التي نشأت فيها ليست صالحة، فإن هذا مما يقدح فيها، خاصة عندما يطرق سمعك الأثر الوارد: "إياكم وخضراء الدمن، قيل وما خضراء الدمن، قال الفتاة الحسناء في المنبت السوء". لهذا فإن مراعاة البيئة وتاريخ الأسرة عامل مهم مؤثر على صلاح الزوجة، يجب النظر فيه جيدا قبل المضي قدما في الارتباط.

إن الدين يدعو إلى التحلي بمكارم الأخلاق، وليس المراد هنا أن تعثر على زوجة ملاك، فهذا مما تفنى دونه الأعمار، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، إن كانت الفتاة عفيفة محتشمة حيية فاظفر بها تربت يداك.

-         العقل: لا شك أن العقل أمر مطلوب، وكيف يطاق من لا عقل له؟ والعقل المراد هنا هو البصيرة والرأي الحسن والتدبير الجيد، والتفكير المنطقي، الذي يمكن صاحبته العناية بمنزلها وأطفالها، وبه تكون الزوجة قادرة على اتخاذ قرارات حكيمة في كل ما من شأنه أن يصلح البيت.

-         الصبر: خلق دعا إليه الدين، لهذا قلنا منذ البداية، إن كل الأخلاق الحميدة، يجمعها لفظ الدين، فالزوجة الصالحة ينبغي أن تتحلى بهذه الصفة، ينبغي أن تكون صبورة، فالحياة الزوجية ليست عسلا كلها، يتعرض مركب الأسرة أحيانا لهزات عنيفة، والصبر أحد مفاتيح الثبات والاستقرار، يمكنك مراجعة  مقال أسس تكوين أسرة مستقرة 

-         التفهم: إن من علامات الزوجة الصالحة، أنها تشعر باحتياجات الزوج دون أن يبوح بها، تدرك ما يخالجه؛ قد يتكتم الزوج مثلا عن مشكلة يمر بها، فمن حكمتها ألا تلح عليه حتى يخبرها، فالرجل غالبا، يتقوقع على نفسه حال ما يشكل عليه، إلا إن فطنت للمشكلة وكان لها رأي يخرجه منها، فإنها تعرضه عرضا عابرا، لا يوحي بقصدها أنها أذكى منه، فمعظم الرجال يعتبر ذلك نقصا أن يأتيه الحل من المرأة، وخير مثال عن التفهم والاقتراح الحسن، هو ما ورد في السيرة النبوية عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا هديهم في الحديبية فاستثقلوا الأمر، فعرضت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، لو نحرت هديك، وأمرت الحلاق أن يحلق شعرك، فامتثلوا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل الرأي الحسن من زوجته، التي عرضته بخير أسلوب، ولكن: مَن كرسول الله صلى الله عليه وسلم يتقبل المشورة من زوجته؟

-         تحمل المسؤولية: الزوجة مطالبة بالاهتمام بزوجها وأولادها والقيام بدورها المنوط بها أحسن قيام، وهذا الاهتمام ناتج عن العقل والقدرة  على تحمل المسؤولية.

إن كل هذه الصفات يمكن اختزالها في "الدين". ولكن السؤال الذكي الذي ينبغي أن يطرح ههنا، هو كيف يمكن لي أن أستشف أن فتاة ما تتصف بهذه الصفات، وكل الصفات التي ذكرتها تحتاج وقتا حتى يستبين اتصافها بها. فالصبر مثلا، قد لا يحتاج إليه بداية، إن كانت الحياة خالية من المكدرات والمنغصات، ما لم تظهر عقبات وأزمات لا يمكن أن يتنبأ المرء بأن الزوجة صبورة. بل حتى الصفة الجامعة التي هي الدين يمكن التظاهر بها. فمن ذا يشق على قلب المرأة ويعرف مكنونات صدرها؟


الجمال؛ إذا نظر إليه سرته وإن غاب عنها حفظته، إن الجمال، وهو شيء نسبي، أمر مطلوب، فحصول الارتياح بالنظر شيء مبعثه الجمال أنى تجلى ذلك الجمال.

 

لهذا، إن كنت مركزا معي أخي القارئ ظهر لك أني قد ذكرت الجواب وكررته أعلاه، إنها الحاضنة؛ الأسرة؛ البيئة التي نشأت فيها هذه الفتاة. وهذا الذي سيقودنا إلى العنصر الثاني من عناصر هذا المقال.

 كيف أختار الزوجة الصالحة

بعد العلم النظري بكل تلك الصفات، وما يجب أن تتحلى به الفتاة من دين وخلق وصدق وأمانة وعفاف وحياء، يأتي السؤال المؤرق: كيف أصل لهذه الفتاة التي ازينت بهذه الصفات؟

وقبل الجواب وإسداء النصح، يجب العلم أن الكمال صفة لا تدرك، وأن النفس البشرية تواقة للمثالية، دائمة التطلع إلى الأحسن والأفضل، وأن ما تطلبه من صفات الخير في غيرك ينبغي أن تكون أول من يتحلى به، فلا يعقل أن تتطلع إلى مصاهرة أسرة ثرية وأنت ترزح في أغلال الفقر. ولا أن تكون ماجنا فاسقا، وتطلب ذات الدين والخلق الحسن.

أهم ما يعين على الظفر بزوجة صالحة، هو الدعاء، والقصص في ذلك كثيرة جدا، وما يحسن بمتحري الزوجة الصالحة أن يصلي ويستخير الله تعالى في كل أمره وفي أمر زواجه خاصة.

توكيل مهمة البحث لقريبة ذات دين وخلق، فكما أن الطيور على أشكالها تقع، فكذلك العلاقات بين الناس، قل أن تجد شخصا يصادق من لا يشاكله فكرا ومذهبا ومشربا، والنساء أكثر دراية بالنساء، ويطلعن على ما يعسر على فرق التحري الاطلاع عليه من خبايا وأسرار الأسر، فإن أكدن لك صلاح أسرة فصلاحها غالب. وربما كان الموكَل إليه رجلا معروفا بالصلاح؛ كأن يكون إمام المسجد أو محفظ القرآن...

تَقصُّد البحث عن الزوجة الصالحة في أماكن بعينها، مثل التأكيد على أن يتم البحث في أحد المعاهد الدينية، أو دور تحفيظ القرآن، أو إحدى كليات الشريعة... فالغالب أن تكون من تهتم بالدين ومسائله وترتاد هذه الأماكن، من أهل الصلاح.

بعد اختيار فتاة بعينها لا بد من مناقشتها حتى تكوّن نظرة حول فكرها وأخلاقها، ومراميها في الحياة، وهل يمكن أن تتوافقا أم أن اختلافات جوهرية حاصلة بينكما. وهل هي متقبلة للزواج أم لا، ربما نكتب مقالا حول أهم الأسئلة التي ينبغي أن تبتدأ بها الحياة الزوجية.

 

إن خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، فمتى ما ظفر المرء بها، سار مركبه في الحياة غير عابئ بما يواجهه ويلاقيه، تتحقق الألفة وتحصل المودة والسكينة والطمأنينة، كل قلاقل الحياة، تبقى خارج البيت بعيدا عن شعاع المحبة والمودة التي لا تزداد مع الأيام إلا ألقا.

إن على كل ساع للسعادة، باحث عن شقه الثاني، تائه في هذه الحياة، أن يبحث جاهدا بكل طريقة حتى يظفر بالمرأة الصالحة، فكل شيء يرخص في سبيل وصلها، ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر.  

رزقنا الله وإياكم الزوجة الصالحة وأحيانا الحياة الطيبة وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

 

تعليقات

التنقل السريع