القائمة الرئيسية

الصفحات

أسس تكوين أسرة مستقرة؛ تكوين مجتمع أفضل

 


 




مدخل

يعد تكوين أسرة مستقرة في هذا العصر من التحديات الكبيرة، في ظل ما يرى ويسمع من نسب الطلاق والترويج للحياة المثالية التي لا وجود لها إلا في خيال الكتاب المبدعين، وساهمت وسائل التواصل في رفع سقف التوقعات من الحياة؛ فقد رفعت سقف طموحات الشباب، وغدت القناعة والرضا مصطلحات تقبع في بطون كتب التراث. كما كان للفلسفات الغربية الدخيلة نصيب كبير في تغيير أفكار شريحة كبيرة من المجتمع، فصار تحقيق الذات والطموح الفردي، من أهم ما يسعى إليه الفرد متجاهلا ما يجره ذلك على المجتمع،

عوامل كثيرة تحول دون بلوغ السعادة المتصورة، ومن ثم تكوين أسرة سعيدة، فلكل فرد فكرة مغايرة عن السعادة،(بإمكانك مراجعة المقال الذي كتبناه حول السعادة) كما أن مفهوم الأسرة يتم تغيير معناه ليضطر الباحث لتعريفه. وعليه كما اعتدتم، نستطرد اضطرارا لا اختيارا لمناقشة هذه المشكلة المؤرقة، راجين من الله تعالى أن يوفقنا لعرض ما يفيد القراء الذين نتمنى لهم السعادة في الدارين.

ماهية الأسرة وأنواعها

الأسرة كما كانت تُعْرَف، أقصد الذي ينقدح في ذهنك أول ما تسمع كلمة الأسرة، هي الرابطة التي تجمع بين رجل وامرأة ينظمها العقد الشرعي عند المسلمين، والقوانين الوضعية عند غيرهم، كانت الأسرة هي ما ينتج عن الاجتماع بين الرجل والمرأة بعقد وثيق، وما ينجبان من أولاد. قلت كانت، لأنها في السنين الأخيرة قد غدت _الأسرة_ يمكن أن تتكون من رجلين، أو امرأتين، أو رجل وامرأة في غير إطار الزواج، أو امرأة ووليدها أو ما يسمى بالأم العازبة، أو رجلا يتبنى طفلا... قد غدا مفهوم الأسرة يشمل كل هذه الأنواع عند الغرب، ويسعى كثيرون لتغيير هذا المفهوم عندنا في البلاد العربية والإسلامية.

 

 وهذا الذي يجعل من الاستطراد أمرا لا مناص منه. كل هذا يجب العلم به، فمن الحكمة أن تعرف الشر لتتقيه، والآن وفي ظل هذه الظروف كيف يمكن للمرء تكوين أسرة مستقرة؟ وكيف يحقق السعادة لأسرته؟

 

أهمية الأسرة

إن تشكيل الأسرة هو الضمان الوحيد لاستمرار البشرية، فالذي يحتم على المرء تحمل مسؤوليات كثيرة، هو ذلك الميثاق الغليظ الذي يتوجب عليه حفظه، إذا علم هذا علم عظم المسؤولية التي يتحملها المقبل على تكوين أسرة،

ثم إن الأسرة هي السكن الروحي الذي يحتوي المرء، ويكسب حياته معنى، والإقدام على الزواج أمر تفرضه الفطرة والغريزة،

والذي يتزوج يسعى للسعادة، وما يحقق السعادة الفردية ليس بالضرورة يحقق السعادة المشتركة، فالحياة الزوجية تتطلب قدرا من العقل والحكمة، وشيئا من التغافل، ومعرفة بالكيفية التي يفكر بها الطرف الآخر،

فإذا تم تجاوز الحكمة من الزواج ومقاصده، وشرع المرء في الإقبال على الزواج مستعينا بالله تعالى وجب عليه معرفة بعض الأمور، التي يعرفها أصلا، وإنما يقرؤها للذكرى والاستحضار، وليبعد عن نفسه الوساوس والرؤى والأوهام التي ترشح بها وسائل الإعلام، والتي تعرض عليها غدوا وعشيا.

من هذه الأمور التي ينبغي عليه أن يراعيها عند التفكير في الزواج وتكوين أسرة، اختيار زوجة صالحة، والمواصفات الدالة على صلاح المرأة، وربما تستفيد بقراءة هذا المقال عن أسس اختيار زوجة صالحة.

وأن يتعرف كذلك على الأمور التي عليه تحملها، فللزواج تبعات  ومسؤوليات كثيرة، تلقى على عاتقه، كما يجب عليه التفطن إلى الكيفية التي تفكر فيها النساء، فطريقة تفكيرهن مختلفةٌ ضرورةً وفطرةً عن طريقةِ تفكير الرجال،

ثم عليه أن يهيئ نفسه ماديا لتحمل نفقات البيت، وعقليا ومعرفيا للنهوض بمهمة تربية الأطفال،

كل هذه الأمور وغيرها مما تجب مراعاته عند التفكير في الإقدام على اتخاذ قرار الزواج.

لست هنا بصدد صدّك وتخويفك من الزواج، وإبراز المساوئ والمسؤوليات فقط، ففي الزواج متعة، بل متع متعددة، وهو قيام بدور كبير في جعل ركب البشرية يستمر قدما إلى الأمام، كما أنه خدمة جليلة للمجتمع، أن تكون في الطرف الصحيح من المعادلة التي يريد الغير أن تكون الكفة الملأى منها من العازفين عن الزواج...

والآن أرجو أن تكون قد عدلت جلستك لتتأمل معي في هذه السطور التالية، وتعلم يقينا الدور الجليل الذي تقوم به عندما تكون في المجتمع أسرة مستقرة.

 العوامل التي تسهم في تكوين أسرة مستقرة وسعيدة وتأثيرها على الفرد والمجتمع.

هناك عبارة معناها متفق عليه بإجماع العقلاء، وربما عن طريق كل العلوم وهي: أن الجزء مهما صغر أثر على الكل مهما كبر، نعم أنت لم تقرأها خطأ، هي كذلك؛ مهما كان الجزء ضئيلا صغيرا حقيرا لا يؤبه له، فإن له تأثيرا قد يوازي حجمه، وربما فاقه وتعداه.

صحيح أن المستفيد الأول من الأسرة المستقرة هم أفرادها بدءا بالزوجين، وأبنائهما فيما بعد، إلا أن المجتمع ينال حظا من ذلك الاستقرار. فلو أن الأسرة لم تكن مستقرة، وأخرجت لنا أطفالا مزعجين مشاغبين، لأحدثوا في المجتمع أثرا سيئا، فكذلك عند صلاحها تؤثر على المجتمع بالإيجاب.
بعد الاختيار الصحيح للطرف الآخر، يكون للبيئة التي يحلان فيها أثر كبير، فكما أن الجزء يؤثر في الكل، فمن باب أولى أن يؤثر الكل في الجزء، ومن العسير جدا على المرء أن يقي نفسه من هذا التأثر، فبدل شغل نفسه بالممانعة والمقاومة للمدخلات الآتية من البيئة المحيطة، من الحكمة اختيار بيئة توفر عليه كل هذا الجهد من الممانعة، وصرفه في أشياء أخرى مثل طيب العشرة والاحترام والتودد إلى الطرف الآخر، بدل السعي في مقاومة المشكلات الخارجية، يتم قضاء الوقت في تكثير دواعي المحبة والألفة. لهذا فاختيار البيئة أمر في غاية الأهمية.

كذلك من العوامل المساعدة على استقرار الأسرة وسعادتها، هي التفاهم بين الطرفين، والتحلي بآداب الحوار، مثل الاستماع بإصغاء واهتمام وتجنب المقاطعة أثناء الحديث، والتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس تجاه الآخر، خاصة مشاعر الحب والود والامتنان، واحترام الاختلافات في الآراء والأفكار التي يعتقدها كل شخص، والحرص على قضاء أكبر وقت ممكن معا، وفي حال حدوث مشكلة ينبغي التركيز على الحلول الممكنة لا إلقاء اللوم على من كان سببا في حدوثها، كما أنه من الحكمة الحرص على تربية الأطفال تربية حسنة ليكونوا أفرادا صالحين داخل الأسرة وفي المجتمع فيما بعد،

ولا يعني الاستقرار أنه ذلك الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، بل الأسرة المستقرة والسعيدة هي التي تتقدم نحو غايتها دون أن تؤثر فيها سلبا كل المشاكل والمعيقات التي تعرض لها.

 التحديات التي قد تواجهها الأسرة والحكمة في مداراتها.

المقبل على تكوين أسرة ينبغي أن يكون على دراية بأن الحياة ليست كما يشتهي ويتمنى، وأن في طريق الحياة الزوجية، مطبات ومعيقات تحول دون الصفاء التام، تكدر ذلك الود، وتعبث بالسكينة والطمأنينة التي تكون بين الزوجين، والأسر الحكيمة والمستقرة والسعيدة هي التي تكون على دراية بهذه المشاكل، تكون قد تجهزت لها، واستعدت من قبل للتعامل مع أي ظرف لتخطي كل الصعاب، والانطلاق للمسير في ركب الحياة بكل تفاؤل.

يمكن تقسيم تلك التحديات والمشاكل إلى:

-         مادية، والتي قد تتجلى في كثرة الديون، أو العجز عن توفير الحاجيات الضرورية، أو فقدان العمل، أو إفلاس المشروع، أو سرقة ممتلكات ذات قيمة، أو التعرض لآفة أو كارثة تذهب بكل ما تم ادخاره... فالحياة مهما استعددت لها، إلا أنها تفاجئك دوما بكل جديد، وبكل ما لم يخطر لك على بال، وأعجبتني عبارة سمعتها فرسخت في ذهني: "وما الحياة دون جديد يدهشك؟" إن الحياة ليست معادلة تستطيع أن تجد لها حلا نهائيا، يقصي كل الحلول الأخرى.

-         معنوية، مثل الخلافات بين الزوجين، وهو الأشق، خاصة إن كان فيما يتعلق في الشك والريبة من احتمال وجود دخيل في العلاقة بينهما. قد تكون المشكلة تدخل أفراد العائلتين، أو حول الطريقة الأنسب في تربية الأطفال.  الشعور بالغيرة، أو قضاء وقت قليل مع الأسرة والانشغال بالعمل، أو الإدمان على الانترنت والألعاب الالكترونية...

إن المشاكل لا بد حاصلة، وإن الأسرة التي لديها هدف وغاية هي التي تستطيع أن تجد الطريقة الأنسب للتعامل مع المشكلة وحلها، فتخرج الأسرة منتصرة وقد ازدادت تجربة وخبرة وتآلفا وتماسكا فيما بينها، أما الأسر المتذبذبة فتهزها كل هبة نسيم.

لهذا إذا عرفت الأسرة الغاية هان عليها تحمل بعض الصعاب وربما الكثير من الصعاب في سبيل بلوغ الغاية، ولهذا أكرر كثيرا كلمة الهدف والغاية والمقصد.

إن الزواج هو العقد الوحيد الذي يعقد بنية التأبيد، وهو الأمر الذي جاءنا الخبر اليقين بأنه يستمر إلى الأبد "جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم". إن أسرة غايتها أبعد من حدود الزمان والمكان لن تؤثر فيها كل مشكلات الزمان والمكان على استحالة اتحادها.

على الأسرة الساعية للاستقرار والسعادة أن تضع هدفا يكون أسمى من كل ما قد يعرض لها أثناء سيرها. إن التاجر يألم للخسارة أيام الركود، ولكن ألمه يهون حين يتذكر ما سيكسبه حال الازدهار، ثم إن سنين الشقاء تنسيها لحظات النعيم.

أيها القارئ العزيز، بإمكاني أن أصف لك حلولا مادية لكل مشكلة من تلك المشاكل التي عرضت، وبإمكاني الاسترسال في عرض المشاكل وعرض حلولها أيضا، لكني أخشى عليك السآمة والضجر، وإني إن فعلت لن أعدو كوني مثل الطبيب الذي يصف لك الدواء لتسكين ألمك لا إنهاء مرضك، أنا أصف لك الدواء الذي يذهب بالمرض كله، لا بالذي يخفف عنك الوجع والألم ليلة أو أياما.

تعليقات

التنقل السريع