القائمة الرئيسية

الصفحات

الزواج المبكر: الدواعي والآثار الفوائد والأضرار

 




مدخل

 

لا شك أنه مر بك قبل اليوم عبارات مثل الزواج المبكر، أو زواج القاصرات، فهي تتردد في الساحة الإعلامية كثيرا، سواء في القنوات التلفزيونية أو الإذاعية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي قصص من قبيل:

عندما بلغت من العمر ستة عشر عاما، كنت قد نضجت جسديا بما فيه الكفاية ليتقدم لي أحد أبناء عمي لخطبتي، وتم الزواج... لا مكالمات، لا رسائل واتساب، لا خرجات إلى الحدائق والمنتزهات، فقط إشعار بأني قد صرت مخطوبة لمحمود، ثم بعد ذلك بقليل أنا في بيته.

أكره هذا المجتمع الذي ورطني في هذا الزواج المبكر، لقد حرمت من الكثير من الأمور الممتعة في هذه الحياة، لم أتعرف على الحياة كما يجب، تحملت المسؤولية وأنا بعد صغيرة، لماذا علي أن أحرم من طفولتي، من تكوين صداقات، من إتمام دراستي، كنت أحلم أن أدرس الطب أو الهندسة، أو الآداب، حلمت يوما أني سأكون شرطية، أن أقوم بجولات سياحية في الكثير من مدن العالم، والزواج حرمني من كل هذا...

ولكن ربما يستتبعد أن تسمع قصة مثل هذه:

أنا خالد عمري الآن أربع وعشرون سنة، تزوجت مبكرا، ليس بذلك التبكير الذي يفهم من الكلمة، بل مبكرا، قبل الوقت الذي عادة يتزوج فيه الشباب، لدي الآن طفلين، تزوجت عندما بلغت الثامنة عشرة، تعددت الدواعي، وأحمد الله أني تزوجت مبكرا، الزواج مبكرا ساعدني على التفوق في دراستي، أنا أعزو تفوقي الدراسي بعد توفيق الله تعالى، إلى السكينة التي شعرت بها بعد زواجي، لم أعد منشغلا بشيء عدا الدراسة، والعمل في أوقات الفراغ..

أو هذه:

أنا هدى، زوجني أبي مبكرا، ذلك أن أبي، كان حريصا على الصلاة في المسجد، ولا تفوته صلاة الفجر أبدا، ولما رأى أحد الشباب لا يفوته الفجر أيضا، سأل عنه، وخلق مع علاقة تعارف، تطورت إلى مصاهرة، حيث عرض أبي الأمر عليه، وأنا أشكر لأبي هذا الصنيع، حيث اختار لي زوجا هو نعم الزوج ونعم الأب لأبنائه، وأنا أحيا معه في سعادة تامة.

 

الكثير من القصص، هي التي نسمعها عن حياة المتزوجين، بعضهم يقول إن سبب سعادته هو الزواج، والزواج المبكر على وجه الخصوص، ، والآخر يقول إن الزواج في وقت مبكر هو سبب تعاسته ومشاكله التي لا تنتهي، وأنه استعجل في اتخاذ القرار، أو أن قرار زواجه لم يكن مسؤولا عنه، أي اتخذ غيره القرار نيابة عنه...

ولكن هل الزواج المبكر هو المشكلة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ ولماذا تحرص بعض المنظمات على دعم تأخير سن الزواج؟ ما مصالحهم من ذلك؟ وهل للشريعة رأي مخالف؟

ثم أليس الزواج أمرا شخصيا أسريا يرتبط بالفرد أكثر مما يرتبط بالدولة، فلماذا قد تتدخل القوانين لتحديد السن؟ إن كان هذا في صالح أناس أليس يمكن ألا يكون في صالح آخرين؟ وهل نصت الشريعة الإسلامية على سن محددة للزواج؟ ولماذا تسعى المنظمات العالمية لمنع الزواج المبكر؟ ولماذا البنك الدولي بالضبط؟

ثم ما هي دواعي الزواج المبكر؟ وما هي الآثار المترتبة عنه؟

الكثير والكثير من الأسئلة التي ينبغي أن تطرح، البعض منها لا يحتاج إجابة محددة؛ إذ السؤال يحمل في طياته الجواب، والبعض منها يستدعي التحليل والتدليل والمناقشة، وهذا الذي سنفعله في هذا البحث عن ماهية الزواج المبكر وعن فوائده ومزاياه، وعن الأضرار المترتبة عنه، لنخلص في النهاية إلى الحكم الفيصل في المسألة.

تأتي كتابة هذا المقال في هذا الوقت بالذات الذي يُسعى فيه لإدخال تغييرات على مدونة الأسرة المغربية، والمحاولة الجادة لتغيير الفطرة والدين والأحكام الشرعية...

 

إن مناقشة ظاهرة متفشية في المجتمع، مع تحفظي على كلمة ظاهرة، مثل الزواج المبكر، تستدعي ولا بد أولا أن نستعرض أهم الدواعي الإنسانية للزواج، والحكمة منه، وفهم المقصد والغاية التي لأجلها شرع... هي ظاهرة لِما سميت به تحريفا لها عن أصلها، فعدد البحوث والمقالات والندوات والمؤتمرات التي تعقد لأجلها من الكثرة بحيث يعسر عدها أو إحصاؤها.

 

إذا علمنا أن الزواج تنتظمه الأحكام الخمسة، وأنه أمر شرعي، (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، حصل لنا بعض العلم عن سبب التبكير بالزواج لكل من الذكور والإناث.

ومعلوم أن الشهوة أمر فطري في الإنسان، والجميع يطلب تصريفا لتلك الشهوة، والدين الحنيف وجه الخلق إلى المحل الصحيح لفعل ذلك، وهو الزواج، فلماذا يُفرض على المستطيع أن ينتظر سنين عديدة، حتى يتمكن من ذلك؟

تصريف الشهوة ليس هو الغرض الوحيد من الزواج، ولكنه الغرض الأساسي، أو الأهم، إلى حين.

إن الزواج باعتباره أمرا شرعيا، يحقق العديد من المقاصد.

مقاصد الزواج في الإسلام

امتن الله على عباده بنعمة عظيمة، تلك هي الزوج، وذكّره بها في غير ما موضع في كتابه الكريم، والآيات في ذلك كثيرة:

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق من زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.

ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.

وهو كذلك من السنن الكونية: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية.

والسنة النبوية حوت أحاديث كثيرة:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ويأتي التدليل النبوي على مقصدين من أعظم مقاصد الزواج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.

وإذا علم هذا البيان لنعمة الزوج والحث عليها، من صاحب الشريعة، تطلب العلماء غاياته ومقاصده وحِكمه، منها ما دلت عليه النصوص الشرعية دلالة واضحة، ومنها ما يستنبط بإعمال الفكر سعيا في فهم مراد الشارع، ومن ذلك على وجه الإجمال لا التفصيل:

-         حفظ النسل؛ حيث لا وسيلة لضمان استمرار البشرية إلا الزواج الصحيح.

-         طهارة المجتمع من الرذائل والفحش والزنا.

-         التماسك الأسري؛ فالزواج الصحيح المبني على أسس شرعية، أهم لبنة، أو هو الحجر الأساس لبناء أسرة متكاملة الأركان، وبالتالي مجتمعا متماسكا.

-         حصول السكينة والمودة بين الزوجين؛ فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ولا يسعه أن يكون منعزلا منغلقا على ذاته، ولهذا لا بد له من اتخاذ أنيس له في رحلة الحياة.

-         تحقيق العبودية لله تعالى، من خلال الامتثال لأوامره، والإسهام في تكثير الموحدين لله عز وجل.

-         تحقيق بشرى النبي صلى الله عليه وسلم إني مباه بكم الأمم يوم القيامة.

-         طلب الغنى؛ وقد قال أحدهم: عجبت لمن يلتمس الغنى ولا يتزوج.

الزواج المبكر؛ المفهوم؛ الحكم الشرعي؛ والوضعية القانونية

أ‌-       المفهوم:

إن هذا المصطلح قد وضعت له تعريفات عدة لكن سنقتصر على واحد من أهمها، وهو الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان:

"زواج أفراد يمنعهم مستوى نموهم الجسدي، والعاطفي، والجنسي، والنفسي الاجتماعي، من الموافقة بحرية تامة على الزواج".

 

ب‌- الحكم الشرعي:

لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية الزواج، لكن الخلاف الحاصل بينهم في تنزيل ذلك الحكم على الأفراد، وهو كما سبق تنتظمه الأحكام الخمسة، والإنسان يصبح مكلفا في الشريعة الإسلامية بعد بلوغه؛ أي البلوغ البيولوجي، وبهذا يتحمل مسؤولية أفعاله ويُساءَل عنها مُساءلةً شرعية، وبالتالي قضائية، فلو زنا وثبت في حقه ذلك أقيم عليه الحد، لكن القانون الوضعي في هذا العصر ما يزال يعتبره طفلا تجري عليه أحكام الصبية، بينما هو في الأصل قد خرج من حالة الطفولية إلى حالة الرجولية ببلوغه.

اختلف الفقهاء حول مسألة زواج الصغيرة، التي لم تبلغ بعد، هذا إن اعتد بهذا الخلاف، ذلك أن الجمهور من الفقهاء يجيزون زواج الصغيرة، أي العقد عليها، على ألا يتم الدخول بها حتى تبلغ، بينما منع ذلك بعض فقهاء المعتزلة. والحجة الأقوى من الأدلة للجمهور؛ ذلك أنهم استدلوا بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع.

أما الاختلاف الذي يعتد به بين الفقهاء، فهو في تحديد سن البلوغ:

فقد ذهب الشافعية إلى أن سن البلوغ للفتى والفتاة، هو خمس عشرة سنة.

بينما ذهب الحنفية والمالكية وغيرهم، إلى أن الفتى يبلغ بثمان عشرة سنة والفتاة بسبع عشرة سنة.

وكل فريق استدل لما ذهب إليه؛ فالأول استدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني."

واستدل الآخر بما فسر به ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" بأن بلوغ الأشد يكون ببلوغ ثمان عشرة سنة.

 

ج-       الوضعية القانونية:

امتدت مرحلة الطفولة لتقارب الثلث من حياة الإنسان، حسب القانون الوضعي، فقبل أن يتم الشاب ثمانية عشرة سنة ما يزال يعتبر طفلا وتجري عليه أحكام الأطفال في القانون الوضعي، وهذا وحده يحتاج إلى جهد بحثي؛ لما له من آثار سلبية على المجتمع، فهذه الشريحة، لا تساءل عن خطئها مساءلة قانونية، ولا ينتظر منها عمل نافع، وتعتبر في مرحلة مراهقة إلى أن تشرق شمس التاسع عشرة فيتحول ما بين غمضة عين وانتباهتها من طفل إلى رجل، من مراهق عبثي الأفعال، إلى راشد متحمل المسؤولية... يا للعجب، رجولة تحصل في سويعات...

فهذه اتفاقية حقوق الطفل تعرف الطفل بأنه: كل إنسان لم يتجاوز الثامن عشرة.

والقانون المغربي يسميه حدثا، ويعتبر قاصرا غير راشد ما لم يتم السن المذكورة.

 دواعي الزواج المبكر

قبل الخوض في دواعي الزواج، لا بد وأن نضع بين يدي القارئ هذا المدخل البسيط، وهو التمييز بين مفهومين مختلفي الدلالة، يوحدهما في المقصد المناهضون للزواج المبكر.

أ‌-      الفرق بين الزواج المبكر وزواج القاصرات

إن التلاعب بالمفاهيم له تأثير كبير على اتخاذنا للكثير من القرارات، والمفهوم المعدل يسهل إقناع من كانوا نافرين منه قبل ذلك. من ذلك مثلا تحويل الربا إلى مفهوم الفائدة، ومفهوم الخمر إلى مفهوم الشراب الروحي، ومفهوم الزنا إلى مفهوم العلاقات الرضائية... والكثير الكثير من المفاهيم التي يتم التعامل معها بهذه الطريقة من أجل تغيير قناعات الناس حولها. فالربا والفائدة والزيادة ربما تحمل نفس المدلول اللغوي، ولكن الربا يرتبط في ذهن المسلم بأمر محرم لذلك ينفر منه، أما الفائدة التي هي هي نفسها الربا فإنها لا تقدح في ذهنه ذلك. ونفس الأمر مع الزنا؛ أليس كل زنا ناتج عن علاقة رضائية؟ ولكن من أجل التماشي مع موضة العصر، والتخلي عن المفاهيم القديمة ينبغي أن تستحدث مفاهيم لتحل محلها، وتكون قابلية الناس لها أكثر.

نفس الأمر يحدث في مسألة الزواج المبكر، فإن التبكير في الزواج يقصد به عند دارسي العلوم الشرعية ما كان قبل سن البلوغ، وهو كما سبق توضيحه جائز عقده ممنوع الدخول بالمعقود عليها حتى تبلغ وتصلح للوطء.

بينما يقصد به دعاة مناهضته الحاليون؛ الزواج دون سن الرشد القانوني الذي هو في المعظم ثمانية عشر سنة. والذي يعبر عنه بالتعبير القانوني المحض: زواج القاصرين/ القاصرات. ولكن لحاجة في نفوسهم يستعملون مفهوم الزواج المبكر لما تحمله كلمة التبكير من عجلة وتسرع وعدم التروي والتريث قبل اتخاذ القرار.

هذه الازدواجية في التعامل مع المصطلح هي التي تولد الخلاف بين المدافعين له والمدافعين عنه؛ ففئة ترى أنه ما يزال صالحا للعمل به في هذا العصر، وأخرى تعترض وتبرر بكل طريقة من أجل تقييده ومنعه منعا باتا بقوة القانون.

بعد أن تبين لك هذا نأتي الآن على إبراز أهم الدواعي للزواج، والمبكر منه على وجه الخصوص.

ب‌-   الأسباب والدواعي للزواج المبكر

  تتعدد الأسباب والدواعي للتبكير بالزواج:

من الناحية الدينية: الامتثال للأمر الشرعي، فالنصوص التي تحض على الزواج والترغيب فيه كثيرة منها:

-         وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم.

-         تزوجوا الولود الودود

-         يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج.

-         إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.

وجاء النهي عن التبتل والرهبنة فلا رهبانية في الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم:

-          من رغب عن سنتي فليس مني.

 الناحية الاجتماعية: الخوف من الانحلال الخلقي والانقياد للشهوة، مسألة العفة والشرف والسمعة وكلام الناس، وما تحمله كل مفردة من هذه المفردات من حمولة فكرية، عند أصحابها. ولتنظر لهذه المفردات عزيزي القارئ بالعين التي ينظرون بها إليها، لا بما قد يخطر لك أنه المعنى الذي تواطأ عليه الناس في هذا العصر. البعض يعزو السبب إلى الفقر وأراه سببا غير وجيه البتة؛ فالفقر هو الذي يؤخر سن الزواج خاصة في ظل سيادة الأعراف والتقاليد المكلفة جدا، لا العكس.

الناحية العقلية: كل كائن يسعى لبقاء نوعه، واستمرار نسله، ولو أمكنه الخلود لفعل، وليس خفيا ما يتم العمل عليه في الغرب من أجل محاربة الموت، والسعي نحو الخلود، بل وصل الأمر بالبعض أن أوصى أن يعتنى بجسده بعد موته، وأنفق الملايين من أجل ذلك، حتى إذا ما وصل العلم يوما إلى إمكانية إعادة الحياة للموتى، أعادوه... إنه الحرص على الحياة، فطر عليه الجميع، وأفضل ما يخلد الإنسان هو الذرية الصالحة.

الناحية الغريزية/الشهوانية: أحد مكونات الكائن البشري مذ خلقه الله ميله إلى شقه الثاني؛ أي ميل الذكر نحو الأنثى بالاتصال الجنسي، علما أن الغريزة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:

-         الغريزة الشهوانية المادية التي تجذب أحدهما للآخر.

-         الغريزة الروحية التي تفوح بالعاطفة، المتولدة عن الرباط الزوجي.

-         غريزة المودة والحب التي تكون بين الزوجين فيما بينهما وبينهما وبين أولادهما فيما بعد.

 ج- الآثار المترتبة عنه

إن الزواج المبكر؛ أي الذي هو قبل سن البلوغ، أو زواج القاصرات، اللاتي هن دون سن الرشد القانوني، يخلف آثارا عدة، إن على مستوى الفرد، أو المجتمع. وإن الدواعي والآثار، ربما يتداخلان،

فمن تلك الآثار:

-         عدم تمكن الفتاة من إتمام تعليمها؛ ومعلوم أن السلم التعليمي اليوم صار يأخذ من عمر الإنسان الكثير، فإلى حين تحصل الفتاة على شهادة الباكالوريا؛ أي شهادة الثانوية العامة، فستكون غالبا في الثامنة عشرة من عمرها، وبأقل تقدير في السابع عشرة، هذا للفتاة المجدة التي لم يحدث وأن رسبت في أي سنة. والزواج المبكر يحول بين الفتاة وبين إتمام دراستها، مما يجعل القائمين على الإحصائيات يدرجونهن مع الأميات، وهذا الذي تخشاه كل الدول، فجميع الدول تسعى للقضاء على الأمية، والزواج المبكر يرفع من هذه النسبة. ولكن من هو الأميّ حقا؟ هنا لا بد أن تتم إعادة تشكيل مفهوم الأمية، ومفهوم التعليم، والقيمة الحقيقية لربة منزل أسهمت في إنشاء جيل من الشباب المتعلم الصالح النافع للإنسانية، والمتعلمة التي توظفت وأسهمت في الاقتصاد بعدة آلاف من الدولارات أو حتى ملايين... ومن ثم يرى أيهما المقصد السامي.

-         الشرف المصون، إن كلمة الشرف في اللغات الأخرى لا تحمل نفس الدلالة التي يفهمها منها العربي، فالعرب قديما كان بعضهم، خوف العار المتوقع، يئد ابنته، أي يدفنها حية، حتى جاء الإسلام وأبطل هذه الفعلة الشنيعة، وقد ورد في القرآن ذكر ذلك، حيث يتمعر وجه أحدهم عندما يبشر بالأنثى. وربما بقايا ذلك الإرث الذي يتوارثه الخلف عن السلف هو الذي يحدو بالبعض لتزويج بناتهم صغيرات، قبل البلوغ أحيانا، ودون سن الرشد الذي يتعارف عليه في القانون الحالي على العموم.

-         يعدد المناهضون للزواج المبكر، عددا من الأضرار التي تنتج عن الزواج المبكر، والتي لا أرى أغلبها مستساغا، من قبيل عدم تحمل العلاقة الجنسية، وإفرازات مهبلية، وأمراض جنسية، وعدم القدرة على الحمل، وتقوس الظهر، وإحصائيات عن الوفيات بسبب الولادة، وأن أغلب هذه الوفيات تكون للصغيرات...

وهذا ما يعسر إثباته، خاصة عندما ترى دولا أوربية، تدني من سن السماح بالعلاقات الرضائية إلى ما دون الخامسة عشرة سنة.

هذا لا يفهم منه أني مناصر لمسألة زواج الصغيرات أو القاصرات، لكني مستاء من مسألة الكيل بمكيالين؛ العلاقات الرضائية وما ينتج عنها من إجهاض وفساد في المجتمع، وتناقل للأمراض الجنسية، يسمح بها في إطار الحرية، وتمنع نفس العلاقة إذا قننت بوثيقة رسمية من طرف السلطات، وحصل بها الحفاظ على طهارة المجتمع من الرذائل.

نعم، الزواج المبكر في عصرنا أمر مقلق، خاصة في ظل غزو وسائل التواصل الاجتماعي، والعيش على الأوهام والتصورات الخاطئة التي ترسم في مخيلة الكبار قبل الصغار عن الزواج والحياة الوردية الخالية من أي مشكلات أو عقبات، حياة الحب والرومانسية، وما يعرض في المسلسلات وما يقرأ في الروايات، من مثالية فوق المثالية. الأمر الذي جعل نسب الطلاق في ارتفاع مستمر، فئة قليلة من المتزوجين تفرق بين الحياة الافتراضية ومتطلبات الواقع، بين الإبداع في المسلسلات وبين الإوجاع في الواقع. وهي الفئة التي تستطيع مسايرة الواقع، والحفاظ على الأسرة رغم كل المعيقات والعقبات والمطبات...

لا أشجع على الزواج المبكر، فقط من أجل التبكير، بل أشجع على الزواج الناضج المسؤول، فحتى الفقهاء عندما تحدثوا عن تزويج الولي للصغيرة اشترطوا تزويجه إياها من كفء.

الزواج المبكر، يجعل المجتمع أكثر عفة وطهارة، لكنه في العصر الحالي، ربما لا يحقق ذات المقصد، خاصة عندما ترى أن الفتيات بتن يتزوجن من أجل أن يفقدن العذرية التي كانت هي صك الشرف الذي يصرفنه في يوم الزواج، ثم يفعلن بعد ذلك ما لم يكن يستطعن فعله.

الزواج حل، إذا تحققت فيه شروط وضوابط وأمور كثيرة. نتناولها إن شاء الله بمزيد من التفصيل في مقال في مستقبل الأيام.

تعليقات

التنقل السريع