بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين.
وبعد فإن كل إنسان يحاول أن يخلد نفسه، أن يبحث عن ذكر
حسن لدى الآخرين، أن يترك انطباعا جميلا عندهم، أن يبقى ويمتد ذكره وأثره إلى ما
بعد موته.
فهذا إبراهيم عليه السلام يقول: "واجعل لي لسان صدق في الاخرين"
وهذا الشاعر العربي أحمد شوقي يقول:
وكن رجلًا إن أتوا بعده
يقولون : مرَّ وهذا الأثرْ
وهذا الذي يدعو الملوك ومن يظنون العظمة في أنفسهم إلى
نحت التماثيل واتخاذ كل ما يعبر عنهم ويرسخ بقاءهم في أذهان الآخرين.
إلا أننا ننزه أن يكون غرض الأنبياء هو غرض غيرهم من
سائر البشر.
لذلك ترى كل شخص الآن يكتب مذكراته وسيرته الذاتية، ظانا بالغرور الطبيعي الذي يتولد لدى كل من يمتهن الكتابة أن لديه من الخبرة والعلم ما يجزم أنه يفيد به غيره.
قدمت بهذه المقدمة الموجزة حتى نعلم أن الإنسان يطلب البقاء، وهذا اعتراف ضمني باطني منه بفنائه.
وينسى هذا الساعي الى تخليد ذكره أن هناك عوامل مؤثرة في تخليد أو تحييد ذكراه بعيدة عنه ولا دخل له فيها، وإنما هي مرتبطة بتقدير الآخرين له ولإسهامه وتأثيره.
ومن تابع الأحداث الجارية في سوريا رأى الناس كيف دمرت
تماثيل الرئيس المخلوع ووقفت على صوره ؛ أي أن كل ما سعى في بنائه اندثر وتلاشى في رمشة
عين.
إن الحديث في سيرة أي شخص يقتضي ضرورة
الحديث عن الحقبة الزمنية التي عاش فيها، لمعرفة تأثيره وتأثره ببيئته، والحديث في
سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ينتشي سامعه، والحديث عن الحبيب لا يمله
محب، أيا كان هذان، فكيف إن توافق هذا الحب مع التعبد لله، فقد صح أن عمر رضي الله عنه كان يمشي مع النبي
صلى الله عليه وسلم يوما فقال له: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ
إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ، وَاللَّهِ، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الآنَ يَا عُمَر. رواه البخاري
وفي سورة التوبة قال الله تعالى: "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ."
وعليه فإن الحديث في السيرة لا يمكن تناوله من الجهة البحثية مجردا عن خلفية المحبة والتوقير لشخص النبي صلى الله عليه وسلم.
واستحضار السيرة النبوية في الحياة
اليومية أمر لا مناص عنه.
والسيرة النبوية في أبسط تعريف كما قد
يرد إلى ذهني وأذهانكم جميعا أول سماع هذا التركيب، بل عند سماع لفظ السيرة فقط،
هي الأحداث والوقائع المرتبطة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وما عاشه في
أطوار حياته كلها.
السيرة في اللغة الطريقة والسنة، وفي
الاصطلاح ما قد ذكرت من أنها: ما نقل إلينا من حياة النبي من ولادته حتى وفاته صلى
الله عليه وسلم.
وتتجلى أهمية السيرة النبوية في أن صاحبها عليه الصلاة والسلام لم يدونها بنفسه. ولا أمر بتدوينها. وإنما اهتم الناس بحياة الرجل الذي أنقذهم الله به من النار فحفظوا أخباره وسيرته.
وهذا الذي ذكرت أن غرض الأنبياء ليس كغرض غيرهم. فهم خلدوا باهتمام الناس بتخليد ذكرهم، عكس ما يفعله الملوك والأباطرة، من اتخاذهم للكتاب، واستمداح الشعراء ...
لماذا اهتم الناس بالسيرة ؟
لأن مصدرها الوحي؛ فأول المصادر من حيث
الوثوقية والمصداقية والجزم بوقوع الأحداث بما لا يدع مجالا للشك، هو كون القرآن
الكريم المحفوظ بحفظ الله "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
والمنقول نقلا متواترا لا يماري في صحة نقله أحد قد خلد أحداثا كثيرة مما يعتبر من
السيرة النبوية. ثم الأحاديث الصحيحة، ليضاف لهذين المصدرين ما تناقله الإخباريون
ومن اهتموا بتدوين ما تنوقل شفويا مدة من الزمن.
- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والتعرف على التطبيق العملي للقرآن، فعندما نريد أن نتبين قول السيدة عائشة رضي
الله عنها: كان خلقه القرآن، أو كان قرآنا يمشي... احتجنا إلى السيرة ... وهنا
تجدر الإشارة إلى قول الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة. وأي اتساء
واقتداء لمن يجهل حال المقتدى به؟
- فهم القرآن الكريم فبعض الأحداث لابد
من معرفة سياقها التاريخي والذي تحدث في أسباب النزول لا بد وأن يكون قد تطرق إلى
ضرورة الاطلاع على الزمن الذي نزلت فيه الآيات
و الزمن والتاريخ والسيرة بمعنى في هذا
الأمر.
- معرفة التاريخ الإسلامي: مع أن الأستاذ
قد ناقش في حصة سابقة مسألة التاريخ الإسلامي إلا أننا نتماشى مع الوضع المصطلحي،
من أن البعثة هي مفترق الطريق بين الجاهلية والإسلام. والتعرف على الحقبة الزمنية
التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر لازم للوقوف على قوله تعالى مثلا: "الله أعلم حيث يجعل رسالاته"، أو "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم".
بعد التعرض للتعريف والأهمية نأتي إلى ذكر أقسامها أو مراحلها.
مراحل السيرة النبوية
فالسيرة تقسم إلى ثلاثة أقسام:
من الولادة حتى البعثة: وهي أربعون سنة.
من البعثة حتى الهجرة: وهي ثلاث عشرة
سنة
ومن الهجرة حتى وفاة النبي: وهي عشر
سنين.
ومجموع عمر النبي صلى الله عليه وسلم
هو مجموع هذه الأقسام وهو ثلاث وستون سنة.
وفي آتي المقالات إن شاء الله تفصيلات في كل مرحلة وفي الكثير من الأحداث التي لا ينبغي تفويت الحديث عنها.
وإلى ذلك الحين أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق